اللهم صل ِعلى محمد وآل محمد
وعجل فرجه ياكريم
نُقل عن بعض الزهاد أنه كان يقول: كلما أُصلّي وأبلغ قوله تعالى: «إياك نعبد وإياك نستعين» يقشعرّ جلدي ولا أستطيع إنشاء هذه الألفاظ وإنما أقوم بقراءتها فقط؛ لأن «إياك نعبد وإياك نستعين» تعني أن العبادة مني لك وحدك؛ إذ لا معبود غيرك. قد لا يعرف القائل «إياك نعبد» معنى العبارة، وقد يعرف معناها ولكنه لا يعرف من يكلّم فكلاهما قراءة سطحية! ولكن قد يعرف الشخص معنى العبارة ومع من يتكلّم ومع ذلك يعبد مع الله سواه كالدرهم والدينار والزوجة والأطفال والجاه والهوى والشهوات أو يرتكب ما حرّم الله فهذا معناه أنه أشرك بالله سبحانه ولم يصدق في دعواه، وإن لم يكن شركاً مستوجباً للنجاسة والكفر ولكنه على كلّ حال مرتبة من مراتب الشرك كما ورد في أحاديث الرياء.· كان الشيخ أحمد بن فهد الحلي (رضوان الله عليه) من علمائنا الكبار، ألّف كتباً في الفقه وفي الدعاء والعلوم الإسلامية المختلفة وكان صاحب كرامات أيضاً. توفي قبل عدة قرون ومرقده في مدينة كربلاء المقدسة يقع في طريق الوافدين من النجف الأشرف.
وكان الشيخ ابن فهد (رحمه الله) مرشداً وهادياً للناس، ولم يكن معظم أهل العراق يومذاك شيعة لأهل البيت سلام الله عليهم، ولكن الشيخ ابن فهد صادَق الملِِك وظلّ يراجعه حتى حوّله إلى التشيّع وضُربت السكة في عصره بأسماء الأئمة الاثني عشر عليهم الصلاة والسلام.
نقل لي أحد العلماء الذين كانوا يسكنون النجف أنّه قال: لقد تأثرت كثيراً بالمرحوم ابن فهد الحلي من خلال كتبه وقضاياه فكنت كلّما آتي إلى كربلاء أزور قبره في طريقي أوّلاً ثم أذهب إلى حرم الإمام الحسين سلام الله عليه.
ولم يكن هذا العالِم يفعل ذلك لأنّ زيارة ابن فهد أهمَّ من زيارة الحسين سلام الله عليه، بل لأنّه يقع في طريقه فقد كان قادماً من النجف الأشرف وكانت المحطّة الأخيرة للسيارات التي تنقل المسافرين من النجف إلى كربلاء تقع إما عند قبر ابن فهد الحلي أو قبله بقليل.
يقول العالِم: بعد سنين من استمراري على هذه الحال رأيت في إحدى الليالي في عالَم الرؤيا بستاناً كبيراً يكتظّ بالعلماء من السابقين واللاحقين كالشيخ الصدوق والشيخ المفيد والسيد المرتضى والعلاّمة الحلّي والمحقّق صاحب الجواهر والشيخ الأنصاري وغيرهم، ولكني لم أجد الشيخ ابن فهد الحلي بينهم فاستفسرت من أحد العلماء عنه، فقال: إنّه في بستان آخر، فذهبتُ إليه هناك وإذا بهذا البستان يكتظّ بالأنبياء ابتداءً بإبراهيم الخليل فموسى وعيسى وبقية الأنبياء سلام الله عليهم أجمعين. سألت أحدهم: هل ابن فهد بينكم؟ قال نعم، ودلّني عليه. فذهبتُ إليه وسلّمت عليه وقلت له: إني أعهد قبرك وأقرأ الفاتحة لك وأزورك كلّما جئت لزيارة الإمام الحسين سلام الله عليه. قال: كلّ ذلك يصلني. فسألته: لماذا فصل الله بينك وبين سائر العلماء وجعلك مع الأنبياء؟ قال:كان يقتضي بحكم دوري في الدنيا أن أُحشر مع العلماء وأكون في بستانهم، ولكنّ عملاً واحداً عملته لله تعالى رفع درجتي مع الأنبياء، وهو أنّي كنت في كلّ تصرّفاتي وأعمالي أتصرّف تصرف المملوك والعبد مع سيّده، فكلّ عمل كنت أقوم به كان بهذا الدافع، ولهذا رفع الله تعالى درجتي وجعلني مع الأنبياء سلام الله عليهم.
وهذا الأمر لا شكّ يحتاج إلى استحضار دائم بأن يذكر الإنسان نفسه في كلّ آن أنّه عبد لله، بحيث يسري إقراره لله بالملك في جميع أحواله، فإنّ الإنسان ليس معصوماً من الخطأ والزلل، ولكن كلّما ذكّر نفسه قلت أخطاؤه حتى يلقى الله وهو مغفور له، مفتخراً على أقرانه بشمول لطف الله تعالى له. وإذا صار الإنسان هكذا انطبق عليه الحديث المتقدم الذكر.
وهذا الإقرار لله بالملك وللنفس بالعبودية والرجوع إلى المولى، أصل من أصول الأخلاق؛ لأنّه يميّز المتصّف به عن غيره من حيث تصرّفاته وسلوكه، ولا تعود الشهوات والدنيا وزخارفها ومشاكلها وكلّ ما يحيطه أو ينزل به من المرض والصحة، أو العظمة والصغر تضغط عليه وتؤثّر فيه فلا ينفلت بعدها لأنّه أضحى دائم الشعور أنّه عبد ومملوك لله تعالى، وإذا كان كذلك فإنّ الله لا يختم على قلبه بل ينوّر قلبه فينتبه إلى المخاطر والمنعطفات والمزالق في طريقه فيتجنّبها.
منقوووووول